الأمم المتّحدة بقيادة غوتيريس.. مرحلة انهيار البيت تدخل حيّز التنفيذ بعد السقوط الذريع

الثلاثاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٢:٢٧ صباحاً
الأمم المتّحدة بقيادة غوتيريس.. مرحلة انهيار البيت تدخل حيّز التنفيذ بعد السقوط الذريع

تغيّر المفهوم الدولي، بشأن دور الأمم المتحدة منذ تولي أنطونيو غوتيريس مقاليد منصب الأمين العام، لاسيّما حول اضطلاعها في إنقاذ الملايين من أعماق الفقر، ومشاهدة أطفالهم يموتون من أمراض يمكن علاجها، ومن الجوع والتشرد أثناء فرارهم من الحروب الناتجة عن الصراعات الأيديولوجية، التي اتخذت من إفريقيا وآسيا ساحات للمعارك.

الأمم المتحدة، التي لم تنشأ لتقود البشرية إلى الجنة، بل لتحمي الإنسانية من الجحيم، تغفل جرائم الحرب المروعة التي ترتكب في العالم، ومن تلك البؤر اليمن، التي تعيش أسوأ أعوامها منذ انقلب الحوثي وصالح على الشرعية، لتخفق في تجنيب البشرية صنوفًا أخرى من الجحيم.

وتحوّلت الأمم المتحدة، من أمل عظيم من أجل مستقبل البشرية، لتكون وكرًا مشينًا للديكتاتوريات والبيروقراطية، والتغطية المؤسسية للفساد والسياسات غير الديمقراطية.

التضخم في حسابات الأمم المتّحدة:

منذ تأسيسها، أنفقت الأمم المتحدة أكثر من نصف تريليون دولار، لتمويل برامجها ومهامها المختلفة، إلا أنَّ حساب المصاريف السنوية والتضخم المالي داخل المؤسسة الدولية يظهر أنه أكثر من 40 ضعفًا مما كان عليه في أوائل خمسينات القرن الماضي، وذلك لتمويل 17 وكالة متخصصة و14 صندوقًا وإدارة ودفع رواتب 41 ألف موظف، وفق تقارير الأمم المتّحدة نفسها.

وبالنسبة للميزانية العادية التي يتم الموافقة عليها كل عامين، من أجل تمويل التكاليف الإدارية، فقد تضاعفت خلال العقدين الأخيرين إلى 5 مليارات دولار، إلا أنَّ ذلك يعد جانبًا صغيرًا من إجمالي الإنفاق، فعمليات حفظ السلام تكلف المنظمة حوالي 9 مليارات دولار في السنة، مع نشر 120 ألف جندي في مناطق النزاع، معظمها في إفريقيا. وتتلقى وكالات ومنظمات فرعية مساهمات تطوعية من أفراد وحكومات، مثل اليونيسيف ووكالات الإغاثة وأعمال التطوير.

وتضاعف الإنفاق على مدار 25 عامًا، ليصل إلى 28.8 مليار دولار. على الرغم من ذلك، تحذر بعض وكالات الأمم المتحدة من أنها على شفا الإفلاس.

فشل سياسي ومادي:

وتواجه الأمم المتحدة اليوم، وبقيادة الأمين العام أنطونيو غوتيريس، تحدي إصلاح هيكلها على المستويات كافة، السياسية والمادية والإدارية، لكن أكثر ملفات الإصلاح صعوبة وإثارة للجدل، ما يتعلق بمجلس الأمن الدولي، وهو الملف الذي يعيق بحسب كثيرين إعادة هيكلة الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين.

فالمجلس الذي أُنشئ عام 1945، بأعضائه الدائمين الذين انتصروا على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، يمسك بزمام الأمور في المنظمة. فمع كل الضجيج الذي يصدر من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بشأن إصلاح المنظمة، فإنَّ هذه الدول غير مستعدة للتخلي عن سلطاتها التي تمارسها في بعض الأحيان بطرق تخضع بالكامل لمصالحها السياسية، إذ مارست الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية إسرائيل من الانتقادات والقرارات الدولية في العديد من المناسبات، أكثر من باقي أعضاء مجلس الأمن مجتمعين، وفي الآونة الأخيرة، استخدمت روسيا والصين حق النقض لمنع تدخل الأمم المتحدة في سوريا.

وعندما يأتي الحديث عن توسيع مجلس الأمن ليشمل مقاعد إضافية في دائرة الدول دائمة العضوية وغير الدائمة، فإن أي نص في هذا الشأن لا يجد له مجالًا على الطاولة.

وتناقلت وكالات الأنباء، أنباءً عن شراء أصوات الدول الأعضاء في مجلس الأمن، للموافقة على قرارات دولية، حسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد الأميركية، إذ أكّد اثنان من خبراء الاقتصاد بجامعة هارفارد أنَّ “المساعدات الأجنبية التي تحصل عليها الدول الفقيرة، يمكن أن تزداد في أوقات الصراعات أو الأزمات السياسية التي تقع في مختلف أنحاء العالم، بسبب حاجة الولايات المتحدة، وهي اللاعب الرئيسي على الساحة الدولية، إلى أصواتها في المجلس المؤلف من 15 عضوًا”.

وأوضحت الدراسة، أنَّ إجمالي المساعدات التي تحصل عليها الدولة العضو غير الدائم في مجلس الأمن من الولايات المتحدة ترتفع في المتوسط بنسبة 59%، فيما ترتفع المساعدات التنموية التي تحصل عليها من الأمم المتحدة بنسبة 18%.

تفتت الأمم المتّحدة:

وعلى وقع أقدام الجنود من كل حدب وصوب وانحسار السلام واحتضار النظام العالمي، تفتت الأمم المتحدة التي ربطت مصيرها بحزمة قواعد لم يألُ واضعوها جهدًا في تطبيقها، وحفنة قوى ما زالت منذ عام 1945 تتقاسم المصالح ومناطق النفوذ.

فبعد أكثر من 70 عامًا على إنشائها لحماية السلام العالمي، ومنع قيام الحروب، أصبح العالم جحيمًا تحرقه الصراعات الإقليمية والأهلية التي تغذيها لوبيهات السلاح والمصالح والكارتلات من شركات متعددة الجنسية، وكيانات معولمة، ودول ما زال كل همها أن تحافظ على مصالحها.

وفي الوقت الذي تقاوم فيه المنظمة الدولية انهدام كيانها، يؤكّد الواقع الذي عليه العالم اليوم، انهيار عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي أفرز هذه الأمم (غير المتحدة)، والتي تحولت من كيان حامٍ، إلى سكرتارية تخدم قوة مستحكمة، تباينت الآراء في أنها قوة واحدة أم قوى متعددة.

تراجع دور الأمم المتّحدة العالمي:

وتراجع دور الأمم المتحدة، لمصلحة تجمعات مصغرة، تعمل على قيادة هذا العالم والتحكم بمصادره، وهو ما يثير مخاوف العديد من دول العالم الثالث، ويضع علامة استفهام كبيرة، حول مصالح دول العالم النامي أمام هذا كله، وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الإقليمية إزاء هذا التطور وأمام تحكم تجمعات دولية مصغرة بالمشاكل الأساسية للعالم، بعيدًا عن أو خارج إصدار الأمم المتحدة.

ويدفع ذلك إلى ملاحظة أنَّ الأزمات السياسية القديمة، ما زالت مستعصية على الحل، مثل القضية الفلسطينية، والنزاع العربي الإسرائيلي، الذي توسع فأصبح الشرق الأوسط كله مسرحًا له، وباتت الدول العربية على حزام بركاني من الأزمات السياسية.

وإذا أضفنا إلى ذلك قضايا أخرى مثل التنمية والطاقة والتصحر، وتغيير المناخ، وأزمات المياه والغذاء، نجد أن تحديات جديدة تفرض نفسها على الساحة السياسية والعمل الدبلوماسي الدولي، والتي تثير الاضطراب في أساليب معالجتها.

اللاجئون ورحلة العذاب والظلم:

لعل أخطر قضية باتت اليوم تؤرق صانعي القرار الدولي، هي قضية اللاجئين حول العالم، وأعدادهم المخيفة، فلا تجد قارة من قارات العالم الست المسكونة تخلو من ملايين اللاجئين والفارين من عنف الحروب، واضطهاد الحكومات والسلطات الديكتاتورية، والتي بعضها يدخل تحت جناح دول المصالح.

وتنظر دول المصالح إلى هذا الرقم المتزايد من اللاجئين، على أنها كارثة تضاف إلى كارثة تزايد عدد سكان العالم، هذا العالم الذي يتحدث ثعلب الإستراتيجية الأميركية هنري كيسنجر عنه قائلًا: “من الرماد سنقوم ببناء مجتمع جديد، نظام عالمي جديد، سيكون هناك قوة عظمى واحدة واحدة فقط باقية، وهي التي ستكون الحكومة العالمية التي ستفوز. لا تنسوا أنَّ الولايات المتحدة لديها أفضل الأسلحة، لدينا الأشياء التي لا توجد لدى دولة أخرى، وسنقدم هذه الأسلحة إلى العالم عندما يحين الوقت المناسب”.

والنظام العالمي الجديد الذي أشار إليه كيسنجر تعرقل قيامه مليارات البشر التي تتضاعف، وتأتي على ثروات الأرض، وهذا النزوع العنصري ليس جديدًا على الشخصية الغربية، فهم الذين بنوا عالمهم على أساس “العرق الأنقى”.

ارتداد الإستراتيجيات أم انهدام البيت الأممي:

نحن نعيش فوق أنقاض النظام العالمي البائد، الذي شكّله حلفاء ما عادوا حلفاء، ونتجه صوب عالم يتحول فيه القانون الدولي مبررًا للقتل الرحيم لمليارات البشر، عبر مختلف المخترعات الحديثة، وبكل الأسلحة الممكنة، المعروفة والخافية، وفي دائرة ليست بأي وجه من الوجوه طاولة مجلس الأمن أو سكرتارية الأمم المتحدة، ترسم نفسها في مساقات جيو- إستراتيجية، تؤسس لنظامها العالمي الرابع، على أنقاض ارتدادات إستراتيجية.

ونجد أنَّ التغير الذي حدث في البنية التحتية للنظام الدولي، تأثرت منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وفق الدراسات، لكننا لا يمكن أن نضع كل اللوم على انهيار الدولة الشيوعية، فالنظام الرأسمالي الذي مثلته الولايات المتحدة بشكل رئيس سعى منذ أربعينات القرن الماضي لمدِّ امتداداته على العالم بغية السيطرة.

ويجد المحللون الأميركيون، أنَّ ذلك حدث بوقت أبعد قليلًا من الأربعينات، ويمكن تشخيص بعض الاتجاهات الأساسية العالمية التي كانت سببًا للتغيرات المذهلة والتحولات الكبيرة التي حدثت على ثلاثة مستويات، تشمل الهيكل، والمسيرة التاريخية، وأخيرًا طبيعة الفرد.

ولعل أهم الاتجاهات العالمية التي حدثت في عالمنا اليوم، يتلخص في التحول:

  • من السيادة إلى الاستقلال.
  • من الاعتماد على الذات إلى التشابك والاندماج.
  • من العولمة إلى المحلية.
  • من الجغرافيا السياسية إلى سياسة الهويات.

وأخفقت الأمم المتّحدة في إيقاف هذه الاتجاهات، التي ارتدت بفعل الحروب، بل لم تستطع أن تمنع قيام تلك الحروب، وأفرزت اتجاهًا معاكسًا، يتمثل في:

  1. الارتداد من الاستقلال إلى الخضوع للهيمنة.
  2. الارتداد من الاندماج إلى التفتت.
  3. تهاوي العولمة وآثارها.
  4. إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية بطمس الهويات.

اليمن وسوريا نموذج حي للفشل الأممي:

فشلت الأمم المتّحدة، في إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، منذ انقلبت ميليشيات الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح على الشرعية اليمنية، واختطفت القرار السيادي في صنعاء، محيلة حياة اليمنيين إلى جحيم.

وأمعنت المنظمة الدولية في دعم الانقلاب، عبر تهرّبها من مسؤولياتها؛ إذ تنصلت على سبيل المثال من تولي إدارة ميناء الحديدة، على الرغم من أنّها نفسها التي تشيع تعرض اليمنيين للمجاعة ومخاطر الأوبئة، متغافلة عن لصوصية قطاع الطرق الحوثيين، الذين يسرقون المقدرات الإغاثية الطبية والغذائية، بغية الحصول على ولاء اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وفي سوريا، فشلت الأمم المتّحدة من التصدي لنظام الأسد، الذي لم يتوانَ عن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، بغية بسط نفوذه وسيطرته عليهم، رغمًا عن رفضهم لدكتاتوريته.

ولم تتمكن الأمم المتّحدة حتى من فرض مناطق منزوعة السلاح، في البلد الذي هجّر منه أكثر من مليون شخص، تقاسمتهم دول العالم، لاجئين فارّين من ويلات الحرب، وجحيم آلة القتل الدموية.