صنع في طهران وتموّله الدوحة .. كيف سترد قطر على بيان “داعش” الدامغ؟

السبت ٩ سبتمبر ٢٠١٧ الساعة ٤:٠٦ مساءً
صنع في طهران وتموّله الدوحة .. كيف سترد قطر على بيان “داعش” الدامغ؟

باتت قطر اليوم، ناقلة أمراض، تحمل عددًا من الفيروسات السياسية، المتمثلة أولاً بتنظيم الإخوان، الذي يجد مفكروه وناشطوه في قطر الملاذ الآمن، وفي محطتها الجزيرة، البوق المروج والممول السخي، إذ إنّه في حين يعد التنظيم الإخواني الإرهابي طاعونًا لا بدّ من استئصاله، ترى فيه قطر وسيلة لحشد كمّ غير متكافئ من النفوذ في المنطقة، وعلى غراره، تعاملت الدوحة أيضًا مع تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي لم يعان من ويلات همجيته ودمويته، إلا الأبرياء في السعودية والعراق ومصر وسوريا.

غرام الأفاعي بين الدوحة وداعش:

يومًا بعد الآخر، يظهر مدى العلاقة بين تنظيم “داعش” الإرهابي ودولة قطر، وطبيعة التمويل الذي يتلقاه الأول من مسؤولي الدوحة لتنفيذ العمليات الإرهابية في الدول المختلفة، لا سيّما أنَّ “داعش” أعلن مسؤوليته عن كثير من الحوادث الإرهابية خلال الفترة الماضية، إلا أنَّ تلك العلاقة ظهرت رسميًا، الخميس الماضي، بعدما أصدر تنظيم داعش الإرهابي بيانًا تحت عنوان “بيان نصرة إخواننا المسلمين في قطر”، أكّد فيه تضامنه مع دولة قطر، فيما وصفه بـ “المحنة من دول الكفر”، بعدما كشفت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وجود ارتباط بين قطر وجماعات إرهابية متطرفة في سوريا، وجمع الدوحة لتبرعات مالية لشراء أسلحة للإرهابيين وتأمين رواتبهم.

غرام الأفاعي بين الدوحة و”داعش”، بات واضحًا وضوح الشمس، إذ إنَّ التنظيم استثنى قطر من الاستهداف، وتشكيل الخلايا العنقودية على أرضها، كما فعل مع إيران، وهو الأمر الذي يطرح التساؤل عن السر وراء هذا الاستثناء، والذي يمكننا الإجابة عليه من خلال نقاط واضحة المعالم، منها الوثيقة المسربة عن تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، التي كشفت الدور القطري الخفي في دعم عناصر التنظيم المتطرف بالأسلحة التي تدخل في صناعة المتفجرات والمفخخات لاستهداف المدنيين الأبرياء، والتي تؤكّد أنَّ قطر سلّمت المتطرفين مادة “نترات الأمونيا” لاستخدامها في العمليات العسكرية، ودعت عناصر التنظيم الإرهابي لاستلام “نترات الأمونيا” عن طريق ما يسمى “مجهز الولاية”، بالتنسيق مع المجهز العام لاستمرار العمليات.

ويأتي ذلك فضلاً عما كشفه موقع التسريبات العالمية “ويكيليكس”، من أنَّ الحكومة القطرية متورطة في تمويل تنظيم “داعش” الإرهابي عام 2014، كاشفة عن صفحة من بريد المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، إبان شغلها منصب وزيرة الخارجية الأميركية، تقول “إننا نحتاج إلى تفعيل جهودنا الدبلوماسية وتنشيط دور مخابراتنا من أجل الضغط على الحكومة القطرية التي تدعم داعش وعددًا من المجموعات الدينية الراديكالية لوجيستيًا وماليًا”.

وتعتبر قصة الإرهابي التونسي طارق الحرزي، نموذجًا واضحًا لتورط تنظيم الحمدين القطري في تمويل “داعش”، حيث كشفت وزارة الخزانة الأميركية في العام 2014 حصوله على مليوني دولار من مؤسسة عيد بن محمد آل ثاني الخيرية لنقلها الى تنظيم “داعش”، فيما كشفت وزارة الخزانة الأميركية، في أيلول/سبتمبر 2014، أنَّ “الحرزي سهّل عملية مرور المقاتلين الأوروبيين إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا، وتم تسميته بأمير المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا”، واصفة إياه بـ “أمير المفجرين الانتحاريين”.

صنع في طهران:

لم تختلف إيران عن هذا السجل كثيرًا، إذ كشفت الخارجية السعودية، عن عشرات الأدلة التي توثّق دعم إيران للإرهاب في المنطقة والعالم، منذ استلام نظام ولاية الفقيه الحكم عام 1979، والذي اعتمد مبدأ تصدير الثورة و”نشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة، بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بعرض الحائط بكافة القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والمبادئ الأخلاقية”.

النظام الإيراني، يعتبر الدولة الأولى الراعية والداعمة للإرهاب في العالم، التي أسست العديد من المنظمات الإرهابية في الداخل والخارج، ومنها حزب الله في لبنان، وحزب الله الحجاز، وعصائب أهل الحق في العراق، وغيرهم الكثير، والعديد من الميليشيات الطائفية في عدد من الدول، بما فيها الحوثيون في اليمن، وتم إدانة تلك المنظمات من قبل الأمم المتحدة، وفرضت عليها عقوبات دولية، إضافة إلى دعم وتواطؤ طهران مع منظمات إرهابية أخرى، مثل القاعدة التي آوت عدداً من قياداتها.

كيف ستتنصل الدوحة من حقيقة دعمها “داعش”؟

كل الأسباب آنفة الذكر، تطرح التساؤل الجوهري، كيف ستتنصل قطر هذه المرّة من إثبات تورّطها في إدارة شؤون تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي تشارك في تحالف محاربته، في ازدواجية عهدت عنها على مدار العقدين الماضيين؟

الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها قطر في المرحلة الراهنة، هي أبواقها الإعلامية، التي ستطلق حملة تزييف للحقائق، تتنصل من خلالها بناء على الأكاذيب والاختلاقات من حقيقة دعمها للتنظيم الإرهابي، فأي بيان سيصدر عن الدوحة، بعد الدلائل القاطعة بشأن تورّطها في دعم وتمويل الإرهاب والتحريض عليه، لن يكون ذا قيمة أمام الأدلة العملية، لا سيّما أنَّ العالم اعتاد منها عدم تطابق أفعالها مع أقوالها.

قطر الخاسر الأكبر في موازين القوى:

ولهذا السبب قررت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فرض مقاطعة على قطر، بما يجبرها على مواجهة نتائج سياستها، ودرء فيروساتها الخبيثة عن دول المنطقة، إذ إنَّ الأزمة القطرية تترك بصمات واضحة على النظام القائم في العالم العربيّ، وتجرّ تداعيات تدوم طويلاً. وفي حين لا يزال مبكراً التنبؤ بالمحصلة النهائية للأزمة المتكشفة فصولها تباعًا، يمكن تبيّن ملامح الخاسرين والرابحين حتى الآن.

وتبدو قطر في لعبة موازين القوى خاسرةً، وقد تردد صدى إدانة سياستها الخارجية في الخليج والمنطقة قويًا، حتى تحوّلت الدوحة، التي أملت أن تصبح أكثر أمنًا ونفوذًا، بدعمها الربيع العربي والإخوان والجزيرة وحماس وداعش، إلى عاصمة منبوذة في دول الخليج والعالم العربي. كما لم يسهم تقرّبها من إيران وتركيا إلا في تفاقم الأمور.

ولأنَّ اتّباع سياسة اللعب على الحبلين، هو التوصيف الأمثل الذي يجسّد نهج قطر في مجال السياسة الخارجية على امتداد السنوات الأخيرة، نجد أنفسنا أكثر ميلاً لتصديق “داعش” وبيانه المتضامن مع الدوحة، وصورة العلاقة بينهما، على أي كلام ستتفوه به أبواق تنظيم الحمدين، زبانية تميم بداية من خلايا عزمي، وصولاً إلى أفعى قطر الإعلامية الكبرى “الجزيرة”.